أنا مع مجلس الشورى بتحريك الدعوى الجزائية العامة ضد من يقومون بالقدح والذم والقذف العلني لمؤسسات الدولة ورموزها ومسؤوليها وموظفيها. ولا أظن أن أحدا سيختلف مع المجلس أو معي في ذلك. ما نخشى منه فقط هو أن يتم التوسع في هذه التوصية وتطبيقاتها إن قبلت لتشمل كل كلمة نقد يقولها أي شخص لأداء هذه المؤسسة الحكومية أو تلك.
هناك فرق كبير بين القدح والذم والقذف العلني الذي لا يجوز في حق أي إنسان، حكومي أم غير حكومي، وفي حق أية مؤسسة، حكومية أم غير حكومية. لكنني، في المقابل، إذا رأيت مصلحة عامة مهملة أو مهدرة أو مضيعة، فمن حقي أن أنتقد هذه الجهة أو من يقوم عليها، وإلا فإننا سنقع في مطلب (بلع) الأخطاء وترك الحبل على الغارب لسوء أداء هذه الجهة أو تلك.
ولذلك كان لا بد أن تنص توصية الشورى، من بين ما نصت عليه، على قبول النقد البناء لأداء الجهات الحكومية وغيرها من الجهات ذات العلاقة بشؤون ومصالح الناس، حتى لا يساء فهم توصيتها، مما قد يؤدي إلى فتح الباب على مصراعيه لجر كل صاحب ملاحظة إلى المحكمة.
والأهم من ذلك، تكرارا، ألا تعتبر هذه الجهات نفسها فوق الخطأ أو التقصير، لأن ذلك يتنافى أصلا مع منطق الحياة نفسه، الذي يقول بأن من يعمل يخطئ ومن لا يعمل لا يخطئ. وبالتالي دعونا كمجتمع وأصحاب مصالح وطنية مشتركة نبلور تصورا مشتركا يتحمل فيه كل شخص، مسؤول أو مواطن، أمانته، بحيث يكون هدفه في النهاية الإصلاح والتقدم لأعمالنا ومشاريعنا ومستقبل أولادنا.
وإذا اتفقنا على ذلك يكون من الممكن بناء ثقافة نقد بناء ومنتج بدلا من القيل والقال، وبدلا من هذه التجاذبات والاتهامات التي تقلل من فرص تحقيق النفع العام للجميع. نحن لدينا إمكانيات مادية ضخمة، ولدينا فرص هائلة وفرتها الدولة لنكون أفضل بكثير مما نحن عليه، لكن المواطن، وهذه حقيقة، لا يزال يشعر بأن علاقته بالجهات الحكومية علاقة متوترة أو فاترة. والسبب هو أن هذه الجهات تصعب عليه المسائل وتؤخر إنجاز مصالحه أو تخطئ أحيانا فيما أوكل إليها من رعايته والعناية به.
وبالتالي، فإنني أوصي من يدرس هذه التوصية أن يغلق بالضبة والمفتاح باب التهجم والذم والقدح ويفتح بابا واسعا للنقد البناء، الذي لا يستغني عنه أي مجتمع مهما بلغ من الازدهار والتقدم.