د. جاسم الياقوت
التعصب الرياضي هذا ما يعرف في عالم كرة القدم والرياضة جمعاء. وكلمة التعصب كما نعرف مشتقة من العصبية وهي الانحياز والميول لشيء ما والدفاع عنه بطريقة عمياء وجنونية لا تمت للحقيقة بصلة.. التعصب يشكل خطراً كبيراً على رياضة كرة القدم. وكما نعرف فقد ولد التعصب الكروي مع لعبة كرة القدم، وهذا لا يعني بأي شكل من الاشكال انه لا يوجد تعصب في الألعاب الأخرى, لكن في الغالب التعصب يكون في كرة القدم لأنها اللعبة الشعبية الأولى في العالم.
والمتابع للكرة السعودية في الفترة الأخيرة يلمس تصاعد الحساسيات الجماهيرية في اللقاءات الرياضية والخروج عن مفهوم التشجيع الرياضي. ومن هنا لا بد من الوقوف على طبيعة هذه الظاهرة السلبية وكشف مسبباتها ومن ثم اقتراح انسب الحلول لمعالجتها بالشكل الذي يجعل اللقاءات الرياضية وسيلة للتواصل والتعارف والتعاون وتعزيز قيم المحبة والاخوة والتضامن المنشود. فالتعصب منتشر في جميع بلدان العالم التي تكون فيها كرة القدم حاضرة بقوة, والتعصب هو داء قاتل عجز الكثير من المهتمين بكرة القدم على إيجاد دواء له. ولكننا بالتأكيد وبهمة الرجال سنحاول أن نقلل من خطورته. التعصب أثر بشكل كبير على المشجعين واللاعبين والإداريين. وبالتالي على مستوى كرة القدم التي نشاهدها. حروب داخل وخارج المستطيل الأخضر عكست منظرا غير حضاري لهذه اللعبة.
يرى البعض في التعصب امراً طبيعياً بين الجماهير, ونحن نقول إن هناك فرقاً بين التشجيع والتعصب، فالتشجيع هو جزء مهم من الوفاء للفريق او النادي والمنتخب وحق على من يحب فريقه, لكن التعصب غير التشجيع، فمنذ وجدت الكرة وجد معها الانتماء والميول التي تخطت حدود المعقول. احياناً كثيرة بدلا من ان نتابع فريقنا ونشخص هفواته نقوم بالبحث عن إخطاء الفرق الأخرى.
ويختلف الكثير من المحللين والتربويين في تحديد أسباب التعصب. ونحن هنا سنحاول تحديد بعض العناصر الرئيسة وهي: ضعف الوازع الديني وقلة الوعي والثقافة الرياضية، كما يعتبر خبراء الإعلام الجديد ان المنتديات الخاصة بالأندية تعتبر منبع التعصب الرياضي، ويجمع علماء الاجتماع وعلماء النفس ان الهتافات العدائية والعنصرية في المدرجات وسب اللاعبين والجمهور والتغني بهزيمة مباراة سابقة او بطولة خرج منها يساعد على ذلك تفاعل اللاعبين انفسهم، كما يرى الكثير من المسؤولين بالأندية ان أخطاء بعض الحكام أثناء المباريات مقصودة او متحيزه.
اما خبراء الإعلام والصحافة فيجدون في تصريحات بعض مسؤولي الأندية سببا رئيسيا في إثارة الجماهير والتعصب الرياضي. وايضاً تصريحات بعض اللاعبين، وهذه بدأنا نراها في الآونة الأخيرة تغطي مساحات كبيرة في الإعلام بكل اشكاله. أيضاً يبرز في صحافتنا وقنواتنا كتاب الميول وصحافة وقنوات الميول، وهذا من الأسباب التي تزيد من غضب الجمهور والتعصب الرياضي. ومن خلال تجربتي الطويلة في المجال الرياضي والإعلامي والإداري أحاول تشخيص العلاج المناسب لهذه الظاهرة التي أصبحت تهدد مجتمعنا الرياضي.
علينا العمل اولاً بنشر الثقافة والوعي الرياضي في مجتمعنا، ولتكن البداية من البيت والمدرسة أي المراحل الابتدائية. نبذ التعصب الرياضي في ملاعبنا عن طريق تثقيف الجماهير واللاعبين والمدربين والحكام والاداريين عن طريق وسائل الإعلام المختلفة والتكثيف باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي اصبح تأثيرها يشكل علامة بارزة.
استثمار نجوم الكرة والمحبوبين من جماهير انديتهم، وذلك بعمل برامج حوارية تلفزيونية وإذاعية لتوعية الوسط الرياضي بأن التنافس ينتهي خارج المستطيل الأخضر. ايضاً التركيز على نشر الثقافة بين الرياضيين وتوعيتهم وتوجيههم وذلك عن طريق المنشورات والحوارات والمحاضرات والندوات. الشفافية الكاملة من المسؤولين عن الرياضة السعودية واتحاد الكرة وعدم التفرقة ما بين هذا وذاك منعاً لحدوث التصادمات التي نراها بين الحين والآخر، الإكثار من جولات التواصل بين المسؤولين في القيادة الرياضية وذلك لتعزيز لغة الاخوة والمحبة والتنافس الشريف. العمل على تخفيف حالات الاحتقان الجماهيري من خلال البرامج التوعوية وإظهار الحقائق التي تخدم المصلحة العامة. وضع الجوائز التحفيزية للجماهير واللاعبين والمسؤولين وتحت مسمى (جوائز نبذ التعصب الرياضي في كرتنا السعودية)، والعمل الحثيث للرقي بالجماهير الرياضية، وكم كانت جماهير نادي النصر وهي تقدم نموذجا من التنظيم والإبهار في تشكيلاتها الجميلة في مساندة فريقها، وكم استمتعنا بالأهازيج والشيلات من رابطة مشجعي نادي الاتحاد والهلال، وكم ايضاً كانت لجماهير الاتفاق على انغام الصرناي واليامال.
هذه كانت مؤشرات واضحة يجب المحافظة عليها من أجل الرقي برياضتنا وكرتنا الجميلة. وهذا لا يتحقق الا بتعاون الجميع.. والله الموفق.