نجيب عبد الرحمن الزامل
.. إن المخترعات الحديثة لم تسهل الحياة فقط بل جعلتنا نتساءل كيف كانت الأجيالُ قبلنا تعيش بدونها، وكيف أمكن أن تكون حياتهم تستحق أن تُعاش بدون ما تقدمه المخترعات العلمية وأهمها .. الكهرباء أكبر العجائب حقا.
الكهرباء الظهر الخلفي الذي تقوم عليه حضارة هذا العالم، وتستقيم به – إن وصل إليها- حياة شعوب الأرض. إنها التي تشغل إبرة الخياطة، ومبضع الجراح، وملايين المصانع. الكهرباء تشغل الكوكب كله، حتى باتصالاته الخارجية في الفضاء السحيق لم يتحقق ذلك بدون مساهمة الكهرباء.
الكهرباء الحاكمة والمتحكمة في أعصاب كل أمة، ولا يمكن أن يهنأ فرد واحد بأي بلد، بأي مدينة، بأي مجتمع، بأي بيت بدون هذا التيار الأثيري السحري الغامض الذي نعرف عمله ولا نعرف ماهيّته. الكهرباء إن كانت هي التي تتحكم في كل مفصل في كل مكان، فتصور إذن قوة وهيمنة وأهمية شركات الطاقة، شركات الكهرباء.
نقوم ونقعد في كل يوم وقد ننسى أن قيامنا وقعودنا هو بعون من شركة الكهرباء، فانظر كيف تتداخل شركة الكهرباء في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا، ولا ندرك أحيانا هيمنتها الحقيقية. نذكر الكهرباء في حالتين، الحالة الأولى متى فقدناها، والحالة الأخرى عندما تصل إلينا فواتيرها التي ندفعها أردنا أو لم نرد، لأن حياتنا تعتمد محوريا على الكهرباء.
أتتفق معي إذن أن أقوى قوة في أي مدنية هي الكهرباء؟ قد يأتي من يقول: “إن أقوى شركة هي شركة النفط”، وهو رأي يبدو أنه يحمل معه دفاعاته، ولكن هذه الدفاعات ستتساقط عند أمرين واقعيين، الأول: أن صناعة النفط ذاتها تقوم على الكهرباء. والآخر: أن النفطَ لا يدخل حياتنا اليومية، من يشعل المصباح عندما تضع إصبعك على مفتاح الإضاءة هو الكهرباء مباشرة لا النفط.
هل هذا يعني أن من يرأس شركة كهرباء يكون له قدرة الهيمنة والتحكم في مقدرات الدولة والناس؟ نعم، لو كان هو الذي يملك الشركة بكاملها ولا يشاركه أحد، ولكن اتفقت المجتمعات على أن تكون الكهرباء خدمات عامة وإن اتشحت بالشكل التجاري البحت. وهناك شيء آخر، أن رئيس شركة الكهرباء إن لم يكن الأقوى بين رؤساء الشركات، فهو قطعا أحد أقواهم وأهمّهم تأثيرا .. من هنا لا يُحسد رئيس شركة الكهرباء كثيرا، فهو لا يملك الشركة، وإنما عليه إدارتها لتصل الكهرباء حتى لهذا الحاسوب الذي أكتب عليه المقال، وإدارتها تعني أنه تقع عليه أكبر المسؤوليات الوطنية المدنية .. ربما على الإطلاق.
كان الصديق الكبير رئيس شركة الكهرباء المهندس “علي البراك” الذي غادر، يدرك هذه المسؤولية، وباعتقادي رغم كل ما كان يعلمه عن مسؤوليتها، إلا أن هول وحجم واقع المسؤولية لم يدركه حقيقة إلا وهو على رأس أكبر دينمو ذاتي في البلاد .. كان عليه أن يضيء آلاف الأماكن على خريطة تسع كل أوروبا الغربية .. ونجح بمقدار كبير.
الآن يأتي شابٌ نعرفه ونعرف جديته وطموحه وهو المهندس “زياد الشيحة”، وأود من كل قلبي أن يدرك عظم هذه المسؤولية حتى مع علمي الأكيد أنه يدركها الآن .. لا يحسد هذا الشاب القادم من شركة النفط الأولى في العالم لأنه سيكون مسؤولا أمام الأمة لمدها بالطاقة لتتسع أضعافا من الآن في المرافق الكبرى من المستشفيات للمصانع للجامعات للطرق .. لكل شيء. وهذا الاتساع لا يقف.
أعانك الله يا مهندس زياد .. دعواتنا معك في أكبر تجربة إدارية في البلاد، وقلبي يقول: أنت لها!