عبد الله المديفر
كان بيني وبين أحد الزملاء موعد في مقر عمله، وأثناء الاتصال انقطع الخط بيننا فجأة !، وعاودنا الاتصال سريعاً فإذا به يلح على أن القطع ليس من قبله والأبراج عنده قوية، وعند التقائنا كان يثني على نفسه كثيراً في كل إيجابيات عملهم، ويكيل اللوم اللاذع على الآخرين عند ورود السلبيات أو القصور، فأدركت حينها أن صاحبنا مصاب بمرض “إلقاء اللوم”، وتذكرت قصة ذلك الرجل الذي كان خائفاً على زوجته بأنها لا تسمع جيداً فقرر أن يعرضها على أخصائي أذن، وعند مقابلته للطبيب لأخذ موعد لها أخبره الطبيب أن هناك طريقة تقليدية لفحص درجة السمع، وهي أن يقف الزوج على بعد ١٠ أمتار من الزوجة ويتحدث معها بنبرة صوت طبيعية، فإذا استجابت لك وإلا اقترب ٧ أمتار، فإذا استجابت لك وإلا اقترب ٥ أمتار، فإذا استجابت لك وإلا اقترب ٣ أمتار وهكذا حتى تسمعك، وفي المساء دخل المنزل ووجد الزوجة منهمكة في المطبخ لإعداد طعام العشاء، وبدأ هو بتطبيق توصية الطبيب فذهب إلى صالة الطعام، وهي تبتعد تقريباً عشرة أمتار ثم أخذ يتحدث بنبرة عادية وسألها: (يا حبيبتي .. ماذا أعددت لنا من الطعام)؟.. ولم تجبه..!!، ثم اقترب سبعة أمتار من المطبخ وكرر نفس السؤال: (يا حبيبتي.. ماذا أعددت لنا من الطعام)؟.. ولم تجبه..!!، ثم اقترب خمسة أمتار من المطبخ وكرر نفس السؤال: (يا حبيبتي.. ماذا أعددت لنا من الطعام)؟.. ولم تجبه..!!، ثم اقترب ثلاثة أمتار من المطبخ، وكرر نفس السؤال: (يا حبيبتي.. ماذا أعددت لنا من الطعام)؟.. ولم تجبه..!!، ثم دخل المطبخ ووقف خلفها، وكرر نفس السؤال: (يا حبيبتي.. ماذا أعددت لنا من الطعام)؟، فقالت له: (يا حبيبي للمرة الخامسة أُجيبك.. دجاج بالفرن) …
من أخطر الأمراض التي تقودنا للخلف “إلقاء اللوم على الآخرين”، فهي حيلة شعورية نتخلص بها من المسؤولية، ونمارسها بقوة عندما نحس بالخوف، وحتى عندما نغضب من أنفسنا نبحث عن مشجب الآخرين، ونحمل الذنب من لا ذنب له، وهذا لأننا نعمل بشعور أن البراءة المطلقة هي ما يجب أن نكون عليه، وليتنا استمعنا إلى مقولة توماس زاز: (لا يوجد شيء اسمه الجنون، ولكن هناك درجات متفاوتة من التنصل من المسؤولية).
قابليتنا للنقد والتقويم متدنية، وصعوبة تقديم الاعتذار وإعلان الخطأ تؤزم من المرض، وتتفاقم الحالة عندما نقع في المعضلة الإدمانية الخطيرة: “لذة إلقاء اللوم على من نكره”.
إن مرض “إلقاء اللوم على الآخرين” يستهلك طاقة عقلية ونفسية هائلة منك، ومن يقعون تحت تأثير هذا المرض ليسوا الأشخاص الأكثر سعادة، وبداية العلاج أن تتخلص من ثقافة المعري القائلة: (هذا ما جناه عليّ أبي، وما جنيت على أحد).