
عبد الله المديفر
(طنش، تعش، تنتعش) قاعدة من ثلاث كلمات ترددها ألسنة السعوديين كثيراً، وهذه القاعدة تقول: ستعيش حياة أفضل إذا أتقنت فن التغافل، فالمشي السعيد في هذه الحياة يتطلب منّا التخلص من الأوزان السلبية التي قد تسكن ظهورنا بمجرد الانشغال بها، فحركتنا مع شحوم المشاكل ستكون ثقيلة ومرهقة، والتطنيش هو رجيم نفسي يخفف من الدهون النفسية ويجنبك السمنة الاجتماعية.
التطنيش فن اجتماعي راق إذا أُتقن، وبلادة سيئة إذا أُهمل، فعندما تستخدم مهارة التطنيش تجاه الأشياء الرديئة التي توجه نحوك تربح، وإذا استخدمت مهارة التطنيش مع من يطالبك بحقوقه عليك تخسر، فعندما تطنش الإساءات التي قد توجه لك فأنت تربح وتسير على منهج الإله القائل: (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً)، وفي المقابل إذا تجاهلت وطنشت حقوق العباد فأنت تمارس التطنيش بأسوأ صوره هنا.
«التطنيش» هو تعمد الغفلة مع من نحب حتى لا نخسرهم، وتعمدها مع من لا نحب حتى لا نخسر أنفسنا، وهي سلوك الحكماء على طريق الحياة، ومعاوية رضي الله عنه يقول: (ثلث الحكمة فطنة وثلثاها تغافل)، فاصطياد أخطاء الناس صيد غير ثمين، وتتبع الزلات زلل، والذين لا يتغافلون تكون أرضهم خصبة جداً لنبتات الحقد وبذور الضغينة.
الانشغال بالنقد الموجه لك يستهلك طاقتك النفسية، ويقتات على لياقتك الروحية، ويستنزف مساحتك العقلية، والغوص في بركة النُقاد يقودك إلى الغرق، فمعارك الدفاع عن الذات تدمي الذات وتجعل جراحها نازفة، وإطلالة سريعة على بحيرة النقد تكفيك في تطوير أدائك، وتجعلك تستمر في طريقك الطويل.
«التطنيش» من أبرز صفات القيادي الناجح، والمدير الذي يقف على كل كبيرة وصغيرة مدير غبي ولا يستحق أن يستمر في مكانه الذي يعتليه، وعليه أن يرجع إلى مدرسة الإدارة ليحفظ البيت القائل: (ليس الغبي بسيد في قومه ولكن سيد قومه المتغابي).
الرائعون بأخلاقهم والراقون في تعاملهم لابد أن تجدهم ممن يتقنون فنون التطنيش وأبجديات التغافل، وهذا الإمام أحمد بن حنبل يقول: (تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل)، ونور البصيرة يقودنا إلى غض البصر عن أخطاء الآخرين.
أحياناً نلجأ إلى «التطنيش» عندما نخاف من المواجهة، ويكون تعمد التغافل هنا هو حيلة نفسية للهروب، وتفادي المواجهة قناعة بعدم جدوى المواجهة أمر صحي، ولكنه يكون سلبياً عندما يكون دافع التطنيش هو الخوف وليس القناعة.
وختاماً أتمنى أن تقودك قاعدة (طنش، تعش، تنتعش) إلى مزيد من السعادة.