• 02:53:29am

أحدث الموضوعات

حجية الدليل الرقمي في نظام الإثبات السعودي

تعليقات : 0
بقلم

أصداء الخليج
إعداد الباحث / نايف بن خالد بن راشد الحسين

أن مرحلة إثبات الحق المتنازع عليه أمام الجهة القضائية يشكل عمق الخصومة بين أطراف النزاع ويُعد محوراً جوهرياً في مرحلة الدعوى، فهنا يقع على عاتق المدعي إثبات ما يدعي به من حقوق ويقدم للمحكمة المختصة الأدلة والبراهين، وعلى المدعى عليه أمام المحكمة المختصة الإقرار بما جاء في الدعوى أو نفي تلك الأدلة والبراهين المقدمة ضده، ويقع على القاضي في مجلس القضاء قبل صدور الحكم الاطلاع على تلك الدعوى من حيث الوقائع و والأدلة والاسانيد وتفنيدها وترجيح ما هو ظاهر إليه وفقاً لحجيتها في الإثبات بشكل عام، وبشكل خاص ما يتعلق في بموضوعنا حجية الدليل الرقمي وفقاً لنظام الإثبات السعودي وما يطرأ عليها من حقائق في تلك الدعوى والفصل فيها بين الخصومة بالعدل، وذلك وفقاً لما نص الباب الرابع لنظام الإثبات الصادر بالمرسوم الملكي رقم 43 وتاريخ 26/05/1443هـ ومما يعزز في وقت الحاضر الاعتماد على الدليل الرقمي في قيمته وأهميته ومتسع محيطه في إبرام المعاملات التجارية والمدنية وغيره من المعاملات عبر الوسائل الإلكترونية التي طرأت مخراً في وقتنا الحاضر وتسارع نموه في المجتمع وتأكيداً على ذلك الثورة التي تحظى بها مملكتنا الحبيبة وفقاً لرؤية المملكة 2030م.
اولاً/ مفهوم الدليل الرقمي:
يقع على عاتق الكثير من القراء أن هناك إشكالية بين مفهوم الدليل الرقمي والدليل الإلكتروني وهي في الحقيقة أن الدليل الرقمي والدليل الإلكتروني هما وجهين لعملة واحدة لا فرق بينهما في أصل الدليل والمعنى، إلا أنه من وجهة النظر الباحث أن الدليل الرقمي يُعد مصطلحاً أشمل وأعمق من الدليل الإلكتروني كمصطلح فقط، لكون أن الدليل الإلكتروني في أصله مشتق من بيانات رقمية، وسوف نوضح ذلك من خلال تعريف المنظم السعودي للدليل الرقمي
تعريف المنظم السعودي للدليل الرقمي:
أن المنظم السعودي وضع أحكام عديدة للدليل الرقمي وجعل الدليل الرقمي له حجية في نظام الأثبات السعودي وكذلك بعض الأنظمة المتعلقة بالدليل الرقمي وقد أرست بعض الجهات الحكومية الأخذ بالتوجه نحو حجية الدليل الرقمي وأثباته.
حيث عرف المنظم السعودي الدليل الرقمي في نظام الأثبات السعودي وفق المادة الثالثة والخمسون على أنه “يُعد كل دليل مستمد من أي بيانات تنشأ أو تصدر أو تسلم أو تحفظ أو تبلغ بوسيلة رقمية وتكون قابلة للاسترجاع أو الحصول عليها بصورة يمكن فهمها”.
من خلال استقراء نص المادة المشار إليها يتضح أن الدليل الرقمي معلق على قبولها بالاسترجاع كما يجب الحصول على الدليل ويكون ذات صورة واضحة الدلالة والفهم، وهنا نجد أن المنظم السعودي أخذا بمبدأ العدالة والانصاف للمتخاصمين أمام جهات التحقيق أو القضاء.
كما منح المنظم السعودي في ذات النظام وفق المادة الخامسة والخمسون أنه “يكون للإثبات بالدليل الرقمي حكم الإثبات بالكتابة”.
ونجد هنا أن المنظم السعودي جعل للدليل الرقمي حجية معتبرة في النظام وحكمها في حكم الإثبات بالكتابة وقد وفق المنظم في جعلها بمثابة الكتابة وذلك لسهولة أثباته إذا سلم الدليل من العوارض.
ثانياً/ فيما يتعلق بالأنظمة واللوائح ذات الصلة بحجية الدليل الرقمي:
1-منح المنظم السعودي حجية الدليل الإلكترونية وذلك وفقاً لنظام التعاملات الإلكترونية في الفقرة (1) من المادة الخامسة حيث أعترف المنظم السعودي بحجية الدليل الرقمي على أنه “للتعاملات والسجلات والتوقيعات الإلكترونية حجيتها الملزمة، ولا يجوز نفي صحتها أو قابليتها للتنفيذ ولا منع تنفيذها بسبب أنها تمت كليا أو جزئيا بشكل إلكتروني بشرط أن تتم تلك التعاملات والسجلات والتوقيعات الإلكترونية حسب الشروط المنصوص عليها في هذا النظام”
كما نصت علية الفقرة (2) من المادة الخامسة من ذات النظام أنه “لا تفقد المعلومات التي تنتج من التعامل الإلكتروني حجيتها أو قابليتها للتنفيذ متى كان الاطلاع على تفاصيلها متاحاً ضمن منظومة البيانات الإلكترونية الخاصة بمنشئها وأشير إلى كيفية الاطلاع عليها”.
2-الدليل الرقمي وفقاً لنظام المحاكم التجارية، أخذ المنظم السعودي بحجية الإثبات وجعله قاعدة مكملة لها حيث نصت المادة الخامسة والخمسون على أنه “يجوز اعتبار الدليل الإلكتروني حجية في الإثبات على أن تتضمن اللائحة وسائل التحقق من الدليل الإلكتروني وإجراءات تقديمة، ويشمل الدليل الإلكتروني ما يلي:
أ-المحرر الإلكتروني.
ب-الوسائط الإلكترونية.
ج-وسائل الاتصال.
د-البريد الإلكتروني.
هـ السجلات الإلكترونية
و-أي دليل إلكتروني تحدده اللائحة.”
3-صدر قرار من وزير العدل رقم (921) وتاريخ 16/03/1444هـ ضوابط إجراءات الإثبات إلكترونياً ويُعد ذلك من أهم القواعد التي اتخذتها وزارة العدل في جانب حجية الدليل الرقمي حيث تسري في شأن أدلة الإثبات وحجيتها أحكام النظام القائم وقت نشوء الوقائع أو التصرفات المراد إثباتها”، كما أن كل إجراء من إجراءات الإثبات تم صحيحاً قبل نفاذ النظام يبقى صحيحاً، وتطبق الإجراءات المنصوص عليها في النظام والأدلة على إجراءات الإثبات التالية لنفاذه.
5-فيما يتعلق بالعقود: صدر قرار مجلس الوزراء رقم (131) وتاريخ 03/04/1435هـ المتضمن أن عقد الإيجار المبرم بين طرفي العقد من خلال شبكة الانترنت والموقعة من عضو شبكة خدمات الإيجار من الوسطاء العقاريين خطياً أو إلكترونياً تكون في حكم العقود الموثقة من حيث الإثبات والتنفيذ.
6-تطرقت اللائحة التنفيذية لنظام المحاكم التجارية وفق للمادة (139) على أنه “يُعد الدليل الإلكتروني حجة في الإثبات في أي من الأحوال الآتية:
أ-إذا كان صادراً وفق نظام التعاملات الإلكترونية.
ب-إذا جرى عبر وسيلة إلكترونية لدى جهة حكومية أو معتمدة من قبلها.
ج- الوسيلة الإلكترونية التي استخدمت في الدليل الإلكتروني تم الإشارة إليها في العقد محل النزاع.
د-مناقشة الخصم في موضوع الدليل الإلكتروني قبل إنكار صحته.
هـ-إذا كان الدليل الإلكتروني مستفاد من وسيلة إلكترونية موثقة أو مشاعة للعموم، ويحق للخصم أن يقدم عضيد الدليل الإلكتروني”.
ثالثاً/ تمييز الدليل الرقمي عن غيره:
أن الحق يكون محل للتقاضي بين الخصومة أمام القضاء ولا يمكن اثبات الحق مالم يتوفر الدليل على ذلك الحق وأقامته أمام الجهات القضائية، كما أن دليل الاثبات هو روح الحق الذي يدعى به أمام القضاء، أما الحق الذي لا دليل له فلا يُعد به ولا يُعد قيمة له لعدم توفره أمام الجهات المختصة.
وقد تناول نظام المرافعات الشرعية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/1) وتاريخ 22/01/1435هـ في الباب التاسع وسائل أثبات مختلفة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحق وذلك قبل صدور نظام الإثبات ومن هذه الوسائل هي الإقرار واستجواب الخصوم والشهادة وبالعرف والعادة، واليمين، والمعاينة والخبرة، والقرائن وذلك وفق نظام المرافعات الشرعية، ولم يكن الدليل الرقمي له حجية في الأثبات وفق أحكام نظام الأثبات الحالي في الباب الرابع من النظام وتناول هذا الباب تحديداً من المادة 53 حتى المادة 64، حيث أستحدث الدليل الرقمي في النظام ولم يكن له أحكام في نظام المرافعات الشرعية قبل هذا النظام حيث ذكر منه في نظام المحاكم التجارية باسم الدليل الالكتروني ، أنما في السابق كان الدليل الرقمي يُعد أحد القرائن التي يًعد به أمام القضاء ويمكن أثبات عكسه بأحد وسائل الأثبات المختلفة وقد اعتبر الأصل فيه هو الحجية والصحة والسلامة ولها حكم الاثبات بالكتابة وفق المادة الخامسة والخمسين من نظام الاثبات واعتبار الأصل صحة هذا الدليل حتى في حال عدم الاستطاعة على التحقق من صحته، وسوف نتحدث بشيء من التفصيل في المطلبين القادمين الأول الدليل الرقمي قبل صدور نظام الإثبات والثاني الدليل الرقمي بعد صدور نظام الإثبات.
رابعاً/ الدليل الرقمي قبل صدور نظام الإثبات:
صدر نظام التعاملات الالكترونية بالمرسوم الملكي رقم (م/18) وتاريخ 08/03/1428هـ وكانت الجهة المعنية بالأشراف على تطبيق أحكام النظام هي وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات وذلك وفق الفقرة (1) من المادة الأولى من نظام التعاملات الإلكترونية، وحيث تم التعديل على النظام بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (293) وتاريخ 09/04/1445هـ لتصبح الجهة المعنية بالأشراف على أحكام تطبيق النظام هي هيئة الحكومة الرقمية وفقاً لقرار مجلس الوزراء سالف الذكر، كما أن الدليل الرقمي لم يكن له وجود في حجيته قبل صدور النظام الاثبات حيث بالسابق كان يُعد قرينة يقدمها أحد المتخاصمين في الدعوى أمام الجهة القضائية ومن ثم صدر قرار المحكمة العليا رقم (34) بتاريخ 24/04/1439هـ مفاده أن الدليل الرقمي حجة معتبرة في الإثبات متى سلم من العوارض ويختلف قوةً وضعفاً حسب الواقعة وملابساتها وما يحتف بها من قرائن.
خامساً/ الدليل الرقمي بعد صدور نظام الإثبات:
صدر نظام الإثبات بالمرسوم الملكي رقم (م/43) وتاريخ 26/05/1443هـ والذي تنول الدليل الرقمي في الباب الرابع من النظام، حيث نصت المادة الثالثة والخمسون على أنه ” يعد دليلاً رقمياً كل دليل مستمد من أي بيانات تنشأ أو تصدر أو تحفظ أو تبلغ بوسيلة رقمية، وتكون قابلة للاسترجاع أو الحصول عليها بصورة يمكن فهمها”.
حرص المنظم السعودي على أنه يجب أن يكون الدليل الرقمي قابل للاسترجاع أو الحصول عليه بصورة يمكن فهمها، أي انه في حال عدم استرجاع الدليل الرقمي او في حال الحصول عليه ولا يمكن فهمه فلا تقول الحجة، ونرى أن المنظم هنا حرص بذلك على مبدأ حقوق الطرفين المتنازعين، كما أعتبرها المنظم السعودي بمثابة دليلي كتابي ولها حجيته القانونية بعد ان يتم استيفاء شروطه وضوابطه، مالم يثبت عكسه أو يتفق أطراف النزاع على غير ذلك، كما أن المنظم حرص على أن الدليل الرقمي في أصله الصحة.
لذا فأن المنظم السعودي لم ينفي حجيتها ولكن نفى افتراضية اثبات الآثار كأصل للدليل الرقمي.
سادساً/ أنواع الأدلة الرقمية وفقاً لنظام الإثبات:
اشتمل الدليل الرقمي على ما يلي:
1-السجل الرقمي
2-المحرر الرقمي
3-التوقيع الرقمي
4-المراسلات الرقمية بما فيها البريد الرقمي.
5-وسائل الاتصال.
6-الوسائط الرقمية.
7-أي دليل رقمي آخر.
وهذا ما نصت عليه المادة الرابعة الخمسون من نظام الإثبات السعودي، ونرى من هذا الجانب أن المنظم السعودي لم يعرف أنواع الأدلة الرقمية وأخذ بذلك المعنى الواسع حيال أنواع الأدلة الرقمية ونؤكد على ذلك أن الفقرة السابعة من ذات المادة في النظام بما نصه “أي دليل رقمي آخر”. فقد تركها المنظم في غاية مفتوحة لأي دليل رقمي قد يصدر لاحقاً.
سابعاً/ أحكام الدليل الرقمي:
نصت المادة الخامسة والخمسون من نظام الإثبات السعودي على أنه ” يكون للإثبات بالدليل الرقمي حكم الإثبات بالكتابة الوارد في هذا النظام”. أي أنه يحوز الدليل الرقمي الحجية في الإثبات حيث أن الدليل الرقمي اصبح في ذلك ما يعادل الدليل الكتابي في حجيته، وبلا شك فأن الدليل الرقمي يختلف في قيمته في الإثبات حسب المحرر محل الواقعة حيث قد يكون الدليل الرقمي محرر رسمي أو محرر غير رسمي.
ثامناً/ حجية الدليل الرقمي الرسمي:
أقر المنظم السعودي أن المحرر الرقمي يعادل في ذلك حجيته في المحرر الكتابي فقد نصت المادة السادسة والخمسون من نظام الإثبات أنه ” يكون للدليل الرقمي الرسمي الحجية المقررة للمحرر الرسمي، إذا استوفى الشروط المنصوص عليها في الفقرة (1) من المادة الخامسة والعشرين بما في ذلك ما صدر آلياً من الأنظمة الرقمية للجهات العامة أو الجهات المكلفة بخدمة عامة”، كما أن المنظم السعودي عرف المحرر الرسمي في المادة الخامسة والعشرين من نظام الإثبات على أنه ” 1-المحرر الرسمي هو الذي يثبت فيه موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة، ما تم على يديه أو ما تلقاه من ذوي الشأن، طبقاً للأوضاع النظامية، وفي حدود سلطته واختصاصه. 2- إذا لم يستوف المحرر الشروط الواردة في الفقرة (أ) من هذه المادة فتكون له حجية المحرر العادي، متى كان ذوو الشأن قد وقعوه، من خلال تعريف النظام للمحرر الرسمي نستخلص منه الشروط الواجب توافرها في المحرر الرسمي وهي:
1-صدور المحرر الرسمي من موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة.
2-صدور المحرر من الموظف العام في حدود اختصاصه وسلطته.
3-مراعاة الأوضاع النظامية للمحرر ومنها على سبيل المثال لا الحصر كتابة المحرر باللغة العربية، ذكر البيانات التي تدل على شخص الموثق للمحرر الرسمي، تاريخ المحرر وتوقيع الموثق.
تاسعاً/ حجية الدليل الرقمي غير الرسمي:
نص نظام الإثبات وفق المادة السابعة والخمسون على أنه “يكون الدليل الرقمي غير الرسمي حجة على أطراف التعامل ما لم يثبت خلاف ذلك في الحالات الآتية 1-إذا كان صادراً وفقاً لنظام التعاملات الإلكترونية أو نظام التجارة الإلكترونية. 2-إذا كان مستفاداً من وسيلة رقمية منصوص عليها في العقد محل النزاع، 3- إذا كان مستفاداً من وسيلة رقمية موثقة أو مشاعة للعموم”،
والمقصود أنه مشاعة للعموم كبرامج التواصل الاجتماعي على سبيل المثال لا الحصر واتساب، تويتر، فيسبوك، كما أن المحرر الغير رسمي هو مصطلح من تسميته المحرر العرفي أي الذي لا يتدخل في تحرير هذا النوع من الدليل موظف عام ويستند في توقيعه أطراف المحرر.

أضف تعليقك

برجاء الكتابة باللغة العربية فقط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    رؤية طموحة وتحقيق إنجازات عظيمة
    زاوية رئيس التحرير : سلمان بن أحمد العيد

    تهاني عبدالله الخيال

    د. عبدالله بن محمد العمري

    د. عبدالله بن عبدالمحسن الفرج

    عبدالرحمن السلطان

    مساعد العصيمي

    د. طامي الشمراني

    عوضة بن علي الدوسي

    يوسف أحمد الحسن

    التغريدات